Friday, March 04, 2011

بكيت بما فيه الكفاية

بالرغم من أن المطر قد توقف لفترة إلا أنها لاتزال تمشي بسرعة .. كتفاها مرفوعان ... مشدودان إلى أعلى، يداها في جيبها
قطعت أكثر من حي وأكثر من جادة وهي جٍد جادة
رشقتها السيارات المارة بالماء، تلطخ معطفها، تبللت جزمتها
وتحول شعرها الأشقر الجميل إلى شعر أغبر هزيل
لكن، كل ذلك لم يقلل من عزيمتها، أو إصرارها وهمتها

وأخيرا وصلَت
وبينما كانت تصعد السلالم كان قلبها يحاول القفز للهروب، فما كان لها إلا أن تعصره لترغمه على البقاء في مكانه فهذا هو بيته وعنوانه
نهرته بتمتمة غير مفهومة وكلمات غير موزونة

وصلت ثم ركعت لتلتقط أنفاسها
تذكرت أن ليس لديها متسع من الوقت لتضيعه
فداهمت الباب .. ركلته.. تنفست الصعداء
توجهت إلى خزانة في أقصى الغرفة
استخرجت منها علبة أحذية تحوي صور وذكريات
حملت بيدها الأخرى بعض القمصان المعلقة

جلست في وسط هذه الفوضى
حطمت كل الصور والبراويز
مزقت القمصان
صرخت
فتصدعت الجدران
ثم خرجت
وبيدها ما تبقى من ذكرى

اقتادتها قدماها إلى مكان مناسب لرمي هذه القمامة
وبكل عزم قذفتها في عرض البحر
تبعتها
نظرت إلى الأمواج البعيدة تلاطمها يميناً وشمالاً
فثارت الأمواج القريبة عليها وعاقبتها على فعلتها
رعد.. برق.. مطر غزير

وبالرغم من وجود بريق ما في عينيها
لكنها لم تبكٍ هي
اكتفت بحضن نفسها
ورؤية مستقبلِ ماضٍ كان يخصها

تم إخلاء المكان لخطورة الموقف
ولكنها بقيت هناك بشعرها الأشعث
وكحل عينيها الذي كحل وجنتيها

 
سمعت صوتاً وإذ بعجوز يخاطبها
يسألها فيما إذا كانت تبكي أو أنها ليست على ما يرام
أجابته: "أنا بخير، ولست أبكي لأنني بكيت بما فيه الكفاية،
لن يرجع لي بعد هذه السنوات ولن أرجع أنا إلى ما كنت عليه قبل تلك السنوات".

...
كتبت في الرابع من آذار 2011